نزار قباني.........ثورة الشِّعر في مهد الحداثة
من يدرس شعر نزار قباني ويحاول قراءة شخصيته ومواقفه وحياته ويعمل على تحليلها,يدرك أنه كان ينظر إلى الإنسان على أنه فوق كل قيمة ماديّة وفوق كل قيمة معنوية, وحياة الإنسان وحريته هي بالنسبة له أهم شيء,ولذلك هو دافع عن المرأة بوصفها إنسانة لها حقها في أن تقرّر مصيرها بنفسها دون أن تكون خاضعة لأحد....وهو كما يقول عن نفسه: صادق بين نفسه وكلماته, يحاول أن يصوغ كلماته بما تتناسب مع مرحلته, وهو شاعر حسّاس , رقيق , سريع الانفعال,سريع التأثر,ومن خلال هذه الشخصية كانت تتوّلد قصائده...
ثورته الشعريّة والمنحى التّجديدي.
يقول الدّكتور محمد احمد النابلسي: افتتح نزار قباني في الشعر منحى غنائياً مقترباً من اليومي والمعيشي بجزئياته دون أن يتخلّى عن مسافة التأمّل التي تعيد إرساء المفاهيم و البُنى الموروثة, ومن هنا فإن نزار قباني قد أعاد كتابة الأسطورة القديمة للمرأة بعناصر جديدة ومعاصرة وحديثة, وينسف محور الاستبدال في الأسطورة القديمة , بل شحنه بتفاصيل الحياة المعيشة المستجدّة, ومن هنا كانت الهزّة التي أحدثها شعره, والجاذبية التي حظي بها , وإذا كان المعاش في شعر نزار قباني محدّداً في إطار علاقة الرجل بالمرأة, فإنه حاول أن يكوّن تجربة الحبّ في إطار تحريم شامل للإنسان,أراد أن يخلق صورة العالم في وعي ذاكرة منافية للذاكرة القديمة, إن ولادة الجسد عبر إعادة الاعتبار لمشاعره وإحساسه هي تحرير الذاكرة المكبوتة بقوّة الثقافة الرسمية وقوانينها, إنها مواجهة بين الذات والآخر في إطار تصوّر هذا الماضي, حيث يتمّ استفسار المكبوت بشكل فوري ليحلّ المكبوت التاريخي والسياسي....
إيمانه بالمقاومة كسبيل وحيد في التحرير
طبعاً من يقرأ نزاراً بشكل جيّد سوف يلحظ إيمانه الكبير بأن لا طريق أمام التحرير والتحرر إلا بالمقاومة, وأن المقاومة كانت جزءاً لا يتجزّأ من فكره.....وصحيح أنه تميّز بأنه شاعر الحب والمرأة من حيث تغنّى بجمالها ومفاتنها, ودافع عن إنسانيتها وحقوقها, وصحيح أنه ابن الشام وكانت دمشق هي العروس المتوّجة في أغلب قصائده العصماء ولكنه لم ينس مأساة فلسطين بل اعتبرها قضيّة العرب الكبرى, ولم يتهاون أو يستهين بهذه القضية, فمن يتابع ما كتب عنها وتغنَّى بها , كان يكتب وهو على يقين تام بأنَّ الفجر قادم وتحقيق النصر آت لا محالة لأن أصحاب الحق في النهاية دائماً هم الأقوى .....ففي قصيدة ((منشورات فدائية على جدران إسرائيل)) يبيّن نزار صورة المقاوم الفلسطيني الفدائي الذي أصبح جبّاراً قوياً صامداً يحسب له الصهيوني ألف حساب:
أنا الفلسطيني .....بعد رحلة الضياع والسراب
أطلع كالعشب من الخراب
أضيء كالبرق على وجوهكم
أهطل كالسحاب
أطلع كل ليلة
من فسحة الدار
ومن مقابض الأبواب
ومن ورق التوت
ومن شجيرة اللبلاب
من بركة الماء
ومن ثرثرة المزراب
أطلع من صوت أبي ومن وجه أمي الطيب الجذاب
أطلع من كل العيون السود....والأهداب...
ومن شبابيك الحبيبات
ومن رسائل الأحباب
أطلع من رائحة التراب
أفتح باب منزلي
أدخله من غير أن أنتظر الجواب
لأنني أنا السؤال والجواب
وكما كان واثقاً من أن النصر قادم لا محالة كان أيضاً على يقين كامل بأن هذا النصر لا يتحقق إلا بالمقاومة المسلحة وحمل البندقية,فهو يرى أن طريق المفاوضات والحوار ما هو إلا تمييع للقضية وإضاعة الوقت:
يا أيها الثوَّار
في القدس في الخليل في...بيسان في الأغوار في بيت لحم
حيث كنتم أيها الأحرار
تقدّموا
تقدّموا فقضية السلام مسرحية
والعدل مسرحية
على فلسطين طريق واحد
يمرّ من فوهة البندقية....
ويصرّ على السير في طريق المقاومة إلى النهاية ,فإما النصر وإما الشهادة:
أصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم يا أيها الرجال
أريد أن أعيش وأموت كالرجال
أريد أن أنبت في ترابها
زيتونة أو حقل برتقال
قولوا لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي هي القضية
وفي موضع آخر نرى أنه يعقد كبير الأمل على أطفال الحجارة ويؤكد أنهم هم من سيحرّر الأرض والإنسان من كل مستمر غاضب ومن كل خائن متواطىء ,حيث يقول في قصيدة(( أطفال الحجارة )):
آه يا جبل الخيانات.....ويا جبل العمولات
ويا جبل النفايات......ويا جبل الدعارة
سوف يجتاحك مهما أبطأ التاريخ أطفال الحجارة...
ويقول في قصيدة أخرى بعنوان(الغاضبون):
يا تلاميذ غزة
لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرؤونا
نحن آباؤكم
فلا تشبهونا
نحن أصنامكم فلا تعبدونا
حررونا من عقدة الخوف فينا
واطردوا من رؤوسنا الأفيونا
علمونا فن التشبث بالأرض
ولا تتركوا المسيح حزينا
بقلم:سمير محمود
_________________