(( في محراب العولمة))
لقد دخل القرن الحادي والعشرين والعولمة تطرق بشدة كل باب, ومع تفاعلات العولمة أصبحت اقتصاديات البلدان النامية على أعتاب هزّة شديدة, فالعولمة هي بمفهومها العام فتح العالم ليصبح سوقاً حرة أمام إنتاج الغرب في جميع المجالات فهل نتفاعل مع تلك الدعوات أو نكتفي على ذاتنا؟!
إن البلدان النامية تمثل الطرف الأقل حظّاً على صعيد التنمية الشاملة ومن هذا المنطق ترى الأوساط الاقتصادية المُهمّة أن العولمة سوف تصبّ دائماً في صالح البلدان المتطورة لأنها الأكثر قدرة على الاستفادة من قواعد العولمة وعوائدها بسبب تطورها الاقتصادي والاجتماعي الذي يجعل منها الطرف القوي في معادلة التعامل والتبادل الدولي.
إن العالم الثالث اليوم وضمناً الأقطار العربية يقف على حافة انتقال من الواضح أنه سيكون الكبير والأعمق والأكثر جذرية في حياة هذه المجموعة الاقتصادية ,وخصوصاً إذا علمنا أن بلدان هذه المجموعة ليس أمامها الكثير من الخيارات,بل ولا الوقت الكافي لتقرّر,وإنما عليها أن تبادر إلى الولوج في عالم تتلاءم معه حتى لا تصحو وتجد نفسها قد انجرّت إلى عالم آخر
فإذا كانت ثورات الكون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وموجات التغيير التي حدثت من قبل عرفت حدوداً تقف في وجه توسعها جغرافياً وحالت دون اختراقات, فإننا بعد تدقيق وتمهّل نجد آخر الثورات والموجات غرقت بسبب التطور الهائل في التكنولوجيا والاتصال كيف تفرض إيقاعها بغضّ النظر عمّا إذا كانت القدرة على التقبّل و التكيّف أو الملاءمة قد توفّرت للمستهدفين, فاللحاق بإيقاع العصر والتطور يبدو أشبه بطريق متعدّد المداخل لكنّه حافل بصيغ الإجبار على السير في منحى واحد.
من هنا يبدو قلق المجتمعات النامية ومنها المجتمع العربي في إطاره المتعدّد قلقاً مشروعاً فالمجتمع العربي يشقّ طريقه دون أن يمتلك الوقت الكافي للتفكير ودون خيارات مفتوحة الأفق ;لأن إيقاع التطور الذي تدقّّه الدول المتطورة لا يفسح المجال لأحد أن يفكّر في خط السير بل يجذب الجميع للرقص على أنغامه,وأكثر ما تخشاه هذه المجتمعات المدّ الثقافي الجديد المختلف عن الثقافات الوطنية والقومية ذات الأسس المتعدّدة, وهذا هو جوهر التحدي في مواجهة الثقافات العالمية,إنّ غاية العولمة إعادة صياغة ثقافات الآخرين , خصوصاً إذا لاحظنا أن هؤلاء الآخرين لا يمكنهم تجاهل روح العصر ومتطلباته إلا إذا كانوا يريدون إغلاق الباب على أنفسهم.
وثمّة من يميّز بين العولمة بمعناها الاقتصادي والعولمة الثقافية أو ثقافة العولمة فيرى أصحاب هذا الاتجاه أن الانفتاح في التطور الاقتصادي لا يعني بالضرورة الخضوع لتقانات العولمة ولكن هل يمكن الفصل بين الرأس والجسد,وهل من الممكن أن نعطّل تأثير الوسائل الإعلامية الغربية التي تتحصّن بتكنولوجيا المعلومات؟!......